فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قرأ نافعُ وابنُ كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفض هنا وفي سورة الرعد: [3] {يُغْشِي} مخففًّا من أغْشَى على أفْعَل، والباقون بالتَّشديدِ من غشَّى على فعَّل، فالهمزةُ والتَّضعيف كلاهما للتَّعْدِيَةِ أكسبا الفعل مَفْعُولًا ثانيًا؛ لأنَّهُ في الأصل متعد لواحدٍ، فصار الفاعل مفعولًا.
وقرأ حُمَيْدُ بْنُ قَيْسْ: {يَغشَى} بفتح الياء والشين، {اللّيلُ} رفعًا، {النهار} نصبًا، هذه رواية الداني عنه، وروى ابنُ جنّي عنه نصب {اللّيل} ورفع {النَّهار}.
قال ابنُ عطيَّة: ونقل ابن جنّي أثبت وفيه نظرٌ، من حيث إنَّ الدَّاني أَعْنَى من أبي الفَتْح بهذه الصِّنَاعَةِ، وإن كان دونه في العلم بطبقات، ويؤيد رواية الدَّاني أيضًا أنَّهَا موافقة لقراءة العَامَّةِ من حيث المَعْنَى، وذلك أنَّهُ جعل اللَّيْل فاعلًا لفظًا ومعنى، والنَّهارَ مفعولًا لفظًا ومعنى، وفي قراءة الجماعة اللَّيْلُ فاعلٌ معنى، والنَّهارُ مفعولٌ لفظًا ومعنى، وذلك أنَّ المفعولين في هذا البابِ متى صَلُح أن يكون كلٌّ منهما فاعلًا ومفعولًا في المعنى؛ وَجَبَ تقديمُ الفاعل معنى؛ لئلاّ يلْتبس نحو: أعْطَيْتُ زَيْدًا عَمْرًا فإنْ لم يلْتبس نحو: أعْطَيْتُ زَيْدًا دِرْهما، وكسوْتُ عمرًا جُبَّةً جاز، وهذا كما في الفَاعِلِ والمفعُولِ الصَّريحين نحو ضرب موسى عيسى، وضرب زيدٌ عمرًا، وهذه الآية الكريمة من بابِ أعطيت زيدًا عمرًا؛ لأنَّ كلًا من اللَّيْلِ والنَّهَارِ يَصْلُح أن يكون غَاشيًا مَغْشيًا؛ فوجب جعل {اللَّيْل} في قراءة الجماعةِ هو الفاعلُ المعنوي، و{النَّهَار} هو المفعول من غير عكس، وقراءة الدَّاني موافقة لهذه؛ لأنَّهَا المصرِّحة بفاعليَّةِ اللَّيْلِ، وقراءة ابن جني مُخَالِفَة لها، وموافقة الجماعة أولى.
قال شهابُ الدِّين: وقد روى الزَّمَخْشَرِيُّ قراءة حُمَيْدٍ كما رواها أبُو الفَتْحِ فإنَّهُ قال: {يُغَشِّي} بالتَّشديد، أي: يلحق اللَّيْلُ بالنَّهار، والنَّهارُ باللَّيْلِ، يحتملهما جميعًا.
والدَّليلُ على الثاني قراءةُ حميد بْنِ قَيْس {يَغْشى} بفتح الياء ونصب اللَّيْل، ورفع النَّهَارِ. انتهى.
وفيما قاله الزَّمخشريُّ نظر؛ لما ذكرنا من أنَّ الآية الكريمة ممَّا يجب فيها تقديمُ الفاعلِ المَعْنَوِي، وكأن أبا القاسم تَبعَ أبَا الفَتْحِ في ذلك، ولم يَلْتَفِتْ إلى هذه القاعدةِ المذكورة سَهْوًا.
وقوله: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} حالٌ من الليل؛ لأنَّهُ هو المحدَّث عنه أي: يغشي النَّهارَ طالبًا له، ويَجُوزُ أن يكُون من النهار أي مطلوبًا وفي الجملة ذِكْرُ كُلٍّ منهما.
و{حَثِيثًا} يُحتمل أن يكون نَعْتَ مصدر محذوف أي: طَلَبًا حثيثًا وأن يكون حالًا من فاعل {يَطْلُبُهُ} أي: حَاثًّا، أو مفعوله أي: مَحْثُوثًا.
والحثُّ: الإعْجَالُ والسُّرْعَةُ، والحَمْلُ على فِعْلِ شَيءٍ كالحضِّ عليه فالحثُّ والحضُّ أخوانِ، يقال: حَثَثْتُ فُلانًا فاحْتثَّ فهو حَثِيثٌ ومَحْثُوثٌ.
تَدَلَّى حَثِيثًا كأنَّ الصُّوا ** رَ يَتْبَعُهُ أزْرَقِيٌّ لَحِمْ

فهذا يُحتملُ أن يكون نَعْتَ مصدرٍ محذوف، وأن يكون حالًا أي: تولى تَوَلِّيًا حثيثًا، أو تولَّى في هذه الحال.

.فصل في معنى الإغشاء:

قال الواحديُّ: الإغْشَاءُ والتَّغْشِيَةُ: إلْبَاسُ الشيء بالشَّيء، وقد جَاءَ التَّنْزِيلُ بالتَّشْديد والتَّخفيف، فمن التَّشديد قوله تعالى: {فَغَشَّاهَا مَا غشى} [النجم: 54] ومن اللُّغة الثانية: {فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [يس: 9] والمفعولُ الثاني مَحْذُوفٌ، أي فأغْشَيْنَاهُم العمى وفقد الرؤية، ومعنى الآية أي: يأتي اللَّيْلُ على النَّهارِ فيغطيه، وفيه حذف أي: ويغشي النَّهار اللَّيْلَ، ولم يذكرْ لدلالةِ الكلام عليه، وذكر في آية أخرى: {يُكَوِّرُ الليل عَلَى النهار وَيُكَوِّرُ النهار عَلَى الليل} [الزمر: 5].
{يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} أي: سَرِيعًا، وذلك أنَّهُ إذَا كان يعضب أحدُهُما الآخر ويخلفه فكان يطلبه.
قال القفَّالُ- رحمه الله تعالى-: إنَّهُ تعالى لمَّا أخبر عبادَهُ باستوائه على العرش، وأخْبَرَ عن استمرار أصعب المخلوقات على وفق مشيئته، أرَاهم ذلكَ عيانًا فيما يُشَاهِدُونَهُ منها؛ ليضمَّ العيانَ على الخبرِ، وتزول الشُّبْهَةُ عن كُلِّ الجهاتِ فقال: {يُغْشِي الليل النهار}؛ لأنَّهُ تعالى أخبر في هذا الكتاب الكريم بما في تعاقبهما من المناقع العظيمة يتم أمر الحياة، وتكمل المنفعة والمصلحة.
قوله: {والشَّمْسَ} قرأ ابن عامر هنا وفي النحل [12] برفع الشمسِ، وما عُطف عليها، ورفع {مُسَخَّرَات}، ووافقه حفصٌ عن عاصم في النَّحل خاصة على رفع {والنَّجُوم مُسَخَّرات}، والباقون بالنَّصْب في الموضعين.
وقرّأ أبانُ بْنُ تَغْلِبٍ هنا برفع {النُّجُومِ} وما بعده.
فأمَّا قراءةُ ابنِ عامر فعلى الابتداء والخبرِ، جعلها جملة مستقلَّةً بالإخبار بأنَّهَا مُسخَّرات لنا من الله تعالى لمنافعنا.
وأمَّا قراءةُ الجماعةِ، فالنَّصْبُ في هذه السُّورةِ على عطفها على {السَّمواتِ} أي: وخلق الشَّمْسَ، فتكون {مُسَخَّرات} على هذا حالًا من هذه المفاعيلِ، ويجوزُ أن تكون هذه منصوبةً بجَعَلَ مقدَّرًا فتكون هذه المنصوباتُ مفعولًا أوَّلًا، و{مُسَخَّرَات} مفعولًا ثانيًا.
وأمَّا قراءةُ حفص في النَّحْلِ، فإنَّهُ إنَّما رفع هنا؛ لأنَّ النَّاصِبَ هناك {سخَّر} وهو قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مُسَخَّرَاتٌ} [النحل: 12] فلو نصب {النُّجُوم} و{مُسَخَّراتٍ} لصار اللفظ: سَخَّرها مُسَخَّراتٍ، فيلزم التَّأكيد، فلذلك قطعهما على الأوَّلِ ورفعهما جملة مُسْتَقلَّة.
والجمهورُ يخرِّجونها على الحال المؤكدة، وهو مستفيض في كلامهم، أو على إضمار فِعْلٍ قبل {والنُّجُوم} أي: وجعل النُّجوم مُسخَّراتٍ، أو يكون {مُسَخَّرات} جمع مُسَخَّر المرادُ به المصدر، وجُمِع باعتبار أنواعه كأنَّهُ قيل: وسخَّر لكم اللَّيْلأ، والنَّهار، والشَّمس، والقمر، والنجوم تسخيراتٍ أي أنْواعًا من التَّسْخِيرِ.
قوله: {بأمْرِهِ} متعلق بـ {مُسَخَّراتٍ} أي: بتيسيره وإرادته لها في ذلك، ويجوزُ أن تكون الباءُ للحال أي: مصاحبةً لأمره غير خارجة عنه في تسخيرها، ومعنى {مُسَخَّراتٍ} أي: منزلات بأمره.
قوله: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر}.
يجوزُ أن يكون مَصْدرًا على بابِهِ، وأن يكُونَ واقِعًا مَوْقِعَ المفعوُلِ به.
{لَهُ الخَلْقُ}؛ لأنَّهُ خلقهم، و{الأمْرُ}: يأمر في خلقه بما يشاء قال سفيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ.
فرّق الله بين الخلق والأمر، فمن جمع بَيْنَهُمَا فقد كَفَرَ.
{تَبَارَكَ اللَّهُ} أي: تعالى الله وتعظم.
وقيل: ارتفع، والمباركُ: المرتفعُ.
وقيل: تَبَارَكَ: تَفَاعَل، من البَرَكَةِ وهي النَّمَاءُ والزِّيَادَةُ، أي: البركةُ تكسب، وتنالُ بذكْرِهِ.
وعن ابن عَبَّاسِ قال: جَاءَ بِكُلِّ بَرَكَةٍ.
وقال الحسنُ: تَجِيءُ البَرَكَةُ من قِبَلِهِ.
وقيل: تبارك: تَقَدَّس، والقُدْسُ: الطهارة. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)}
تعرّف إلى الخلق بآياته الظاهرة الدالة على قدرته وهي أفعاله، وتعرّف إلى الخواص منهم بآياته الدالة على نصرته التي هي أفضاله وإقباله، وظهر لأسرار خواص الخواص بنعوته الذاتية التي هي جماله وجلاله، فشتان بين قومٍ وقوم!.
ثم كما يدخل في الظاهر الليل على النهار والنهارَ على الليل فكذلك يدخل القبض على البسط والبسط على القبض. ومنه الإشارة إلى ليل القلوب ونهار القلوب: فَمِنْ عبدٍ أحواله أجمع قبض، ومن عبدِ أحواله أجمع بسط، ومن عبيد يكون مرة بعين القبض ومرة بعين البسط كما أن بعض أقطار العالَم فيها نهار بلا ليل، وفي بعضها ليل بلا نهار، وفي بعضها ليل يدخل على نهار ونهار يدخل على ليل.
{أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ}
فمنه الخير والشر، والنفع والضر، فإن له الخلْقَ والأمر.
{تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ} هذه الكلمة مجمع الدعاء لاشتمالها على إفادة معنى قِدَمِه ودوامِ ثبوته من حيث يُقال بَرَكَ الطيرُ على الماء.
وأفادت معنى جلاله الذي هو استحقاقه لنعوت العِزِّ لأنه قد تبارك أي تعظَّم. وأشارت إلى إسداد النِّعم وإتاحة الإحسان من حيث إن البَرَكَة هي الزيادة فهي مجمع الثناء والمدح للحق سبحانه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}.
لم يفصل هنا ذلك، ولكنه فصله في سورة فصلت بقوله: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ العالمين وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ استوى إِلَى السماء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وأوحى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت: 9-12].
قوله تعالى: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش يُغْشِي الليل النهار} الآية.
هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات الصفات كقوله: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] ونحو ذلك. أشكلت على كثير من الناس إشكالًا ضل بسببه خلق لا يحصى كثرة، فصار قوم إلى تعطيل وقوم إلى التشبيه- سبحانه وتعالى علوًا كبيرًا عن ذلك كله- والله جل وعلا أوضح هذا غاية الإيضاح، ولم يترك فيه أي لبس ولا إشكال، وحاصل تحرير ذلك أنه جل وعلا بين أن الحق في آيات الصفات متركب من أمرين:
أحدهما: تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة الحوادث في صفاتهم سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.
والثاني: الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. لأنه لا يصف الله اعلم بالله من الله: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله} [البقرة: 140]، ولا يصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى} [النجم: 3-4] فمن نفى عن الله وصفًا أثبته لنفسه في كتابه العزيز، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم زاعمًا أن ذلك الوصف يلزمه ما لا يليق بالله جل وعلا، فقد جعل نفسه أعلم من الله ورسوله بما يليق بالله جل وعلا. {سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16].
ومن اعتقد أن وصف الله يشابه صفات الخلق، فهو مشبه ملحد ضال، ومن أثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم مع تنزيهه جل وعلا عن مشابهة الخلق، فهو مؤمن جامع بين الإيمان بصفات الكمال والجلال، والتنزيه عن مشابهة الخلق، سالم من ورطة التشبيه والتعطيل، والآية التي أوضح الله بها هذا. هي قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11] فنفى عن نفسه جل وعلا مماثلة الحوادث بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وأثبت لنفسه صفات الكمال والجلال بقوله: {وَهُوَ السميع البصير} فصرح في هذه الآية الكريمة بنفي المماثلة مع الاتصاف بصفات الكمال والجلال.
والظاهر أن السر في تعبيره بقوله: {وَهُوَ السميع البصير} دون أن يقول مثلًا: وهو العلي العظيم أو نحو ذلك من الصفات الجامعة.
أن السمع والبصر يتصف بهما جميع الحيوانات. فبين أن الله متصف بهما، ولكن وصفه بهما على أساس نفي المماثلة بين وصفه تعالى، وبين صفات خلقه. ولذا جاء بقوله: {وَهُوَ السميع البصير} بعد قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ففي هذه الآية الكريمة إيضاح للحق في آيات الصفات لا لبس معه ولا شبهة البتة، وسنوضح إن شاء الله هذه المسألة إيضاحًا تامًا بحسب طاقتنا، وبالله جل وعلا التوفيق.
اعلم أولًا: أن المتكلمين قسموا صفاته جل وعلا إلى ستة أقسام:
صفة نفسية، وصفة سلبية، وصفة معنى، وصفة معنوية، وصفة فعلية، وصفة جامعة، والصفة الإضافية تتداخل مع الفعلية. لأن كل صفى فعلية من مادة متعدية إلى المفعول كالخلق والإحياء وافماتة، فهي صفة إضافية، وليست كل صفة إضافية فعلية فبينهما عموم وخصوص من وجه، يجتمعان في نحو الخلق والإحياء والإماتة، وتتفرد الفعلية في نحو الاستواء، وتتفرد الإضافية في نحو كونه تعالى كان موجودًا قبل كل شيء، وأنه فوق كل شيء، لأن القبلية والفوقية من الصفات الإضافية، وليستا من صفات الأفعال، ولا يخفى على عالم بالقوانين الكلامية والمنطقية أن إطلاق النفسية على شيء من صفاته جل وعلا أنه لا يجوز، وأن فيه من الجراءة على الله جل وعلا ما الله عالم به، وإن كان قصدهم بالنفسية في حق الله الوجود فقط وهو صحيح، لأن الإطلاق الموهم للمحذور في حقه تعالى لا يجوز، وإن كان المقصود به صحيحًا. لأن الصفة النفسية في الإصطلاح لا تكون إلا جنسًا أو فصلًا، فالجنس كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان، والفصل كالنطق بالنسبة إلى الإنسان والفرس والحمار، وأن الفصل صفة نفسية لبعض أفراد الجنس ينفصل بها عن غيره من الأفراد المشاركة له في الجنس كالنطق بالنسبة إلى الإنسان، فإنه صفته النفسية التي تفصله عن الفرس مثلًا: المشارك له في الجوهرية والجسمية والنمائية والحساسية، ووصف الله جل وعلا بشيء يراد به اصطلاحًا ما بينا لك. من أعظم الجراءة على الله تعالى كما ترى. لأنه جل وعلا واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، فليس بينه وبين غيره اشتراك في شيء من ذاته، ولا من صفاته، حتى يطلق عليه ما يطلق على الجنس والفصل- سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا- لأن الجنس قدر مشترك بين حقائق مختلفة.